الحَمْدُللهِ الَّذِي أَمَرَنَا بِعِبَادَتِهِ،وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا دَوَامَ طَاعَتِهِ،وَيَسَّرَلَنَا سُبُلَ هِدَايَتِهِ ،وَأَشْهَدُأَن لاَّإِلَهَ إِلاَّ اللهُ الحَيُّ الَّذِي لايمُوتُ،وَأَشْهَدُ أَنَّ حبيبنا وسيدنا ونبينا مُحَمَّدًاعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعَلَى آلهِ وصَحْبِهِ إِلى يَوْمِ الدِّينِ أما بعد :فإن مقالي هذا عن علم من أعلام التاريخ، ومصباحٍ من مصابيح الدجى،كان إماماًعادلاً، إماماً ناشرللعلم والدين، كان رابع أربعة دخلوا في الإسلام، إنه صاحب الهجرتين، وزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوالنورين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، أميرالمؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين رضي الله عنه ،وقد جمع الله لعثمان من الفضائل والمكارم ما جعله بحق أن يكون في الدرجة الثالثة في الإسلام بعد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلقد تزوج بنت رسول الله رقية رضي الله عنها فلما توفيت زوجه رسول الله أم كلثوم، فتوفيت أيضاً في صحبته فقال رسول الله لو كان عندنا أخرى لزوجناها عثمان)،ويقول أبي موسى الأشعري قال: كنت مع النبي في حائط من حيطان المدينة(أي بساتينها)فجاءرجل فاستفتح (أي استأذن بالدخول) فقال النبي افتح له وبشره بالجنة) ففتحت له فإذا أبو بكر، فبشرته بما قال النبي فحمد الله،ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي (افتح له وبشره بالجنة) ففتحت له، فإذا هوعمر،فأخبرته بما قال النبي فحمدالله، ،فإذا عثمان. فأخبرته بما قال رسول الله فحمد الله ثم قال:الله المستعان[متفق عليه)ولما صعد رسول الله الجبل جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف (أي الجبل) فقالاسكن أحد فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان)[رواه مسلم]ولقد كان عثمان صاحب ثروة عظيمة وجاه في قريش،لكنه لم يسلط هذه الثروة الطائلة في احتقار الآخرين والاستعلاء على عباد الله المؤمنين وهو الذي اشترى بئر رومة حيث قال رسول اللهمن يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين وله خير منها في الجنة قال عثمان فاشتريها من خالص مالي.وقد كان عابداً خاشعاً خائفاً من الله لايمل من قراءة القرآن،.ود كان هذا دأبه.ولذلك قال ابن عمرفي قوله تعالىأمّن هو قانت أناء الليل ساجداًوقائماً يحذرالآخرة)هوعثمان بن عفان رضي الله عنه .
جمعه الناس على حرف واحد
وإن أعظم منقبة سجلت لعثمان ولاينساها التاريخ له أبداً،و أهل الإسلام أبداً،بها اجتمع شمل الأمة وذهب كيدالشيطان عنها.ألا وهوجمعه الناس على حرف واحد، وكتابة المصحف على الشكل الذي درسه جبريل مع رسول الله في آخر سنين حياته.وكان سبب ذلك أن حذيفة بن اليمان أخبره أنه لما كان في بعض الغزوات، رأى الناس يختلفون في قراءاتهم ويجهل بعضهم بعضاً في ذلك بل ويكفر بعضهم بعضاً، فركب حذيفة إلى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها اختلاف اليهود والنصارى في كيدهم، وذكر له ما شاهد هناك فعند ذلك جمع عثمان الصحابة وشاورهم في ذلك، ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد.وأن يجمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به.فوافقه الصحابة، فأمر زيد بن ثابت الأنصاري أن يكتب القرآن، فكتب لأهل الشام مصحفاً،ولأهل مصراً آخر،وإلى البصرة وإلى الكوفة وإلى مكة واليمن، وأقر بالمدينة مصحفاً. رضي الله عن عثمان .
مثلاً رائعاً للصدق والإيمان والحياء
إن سيرة هذا العلم مليئة بالأحداث وما زالت فضائله مشهورة بين الناس، وأن أميز صفة تميز بها عثمان ، والتي أصبحت ملازمة لاسم عثمان، فما تذكر عثمان إلا وتذكرها ولا تذكرها إلا ذكرت عثمان، إلا وهي صفة [الحيـــاء]. فقد كان عثمان حيّيا،فقد كان إذا اغتسل يغتسل جالساً لئلا يكشف شيء منه مع أنه في بيت مغلق عليه. وتروي لنا عائشة قصة عجيبة يشهد فيها رسول الله أنه الملائكة تستحي من عثمان. فقد قالت رضي الله عنها كان رسول الله مضطجعاً في بيتي، كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال. فتحدّث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فيتحدث ثم استأذن عثمان ، فجلس رسول الله وسوى ثيابه فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتشّ له ولم تباله، (أي لم تغير من حالك شيء) ثم دخل عمر فلم تهتشّ له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال: ((ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة)) [رواه مسلم]. بل أين أنت من رجال لا يتورعون ولا يستحون أن تبدو شيء من عوراتهم ويلبسون القصير ويجولون فيه كل سوق واجتماع دون حياء من أنفسهم أو من الناس، وإلى الله المشتكى، فرضي الله عن عثمان بن عفان، فلقد كان مثلاً رائعاً للصدق والإيمان والحياء والبذل في سبيل الله ،فلما كان يوم مقتله رأى في المنام رسول الله وأبا بكر وعمر وأنهم قالوا له: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة، فلما أصبح شد عليه سراويله خشية أن تبدو عورته إذا هو مات أو قتل وقال لأهله: إني صائم. ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه وأخذ يقرأ فيه حتى قتل من يومه، وذلك قبيل المغرب بقليل، وكان أمر الله قدراً مقدوراً،
وصية عثمان:
فكان خبر مقتلة فاجعة على الأمة الإسلامية فبكته النساء وبكاه الصحابة وأكثرهم حزناً عليه علي بن أبي طالب، واغتمت المدينة تلك الليلة وأصبح الناس بين مصدق ومكذب حتى استبانوا الأمر وتيقنوا الخبر، ووجدوا في دمه قد سقط على قوله تعالى في سورة البقرة فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ، ووجدوا صندوقاً وإذا فيه ورقة مكتوب فيها. هذه وصية عثمان: بسم الله الرحمن الرحيم، عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الله يبعث من في القبور، ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، عليها نحيا وعليها نموت وعليها يبعث إن شاء الله تعالى . هكذا كانت وصيته رضي الله عنه وارضاه .