الرئيسية
قالوا عنا
حول الموقع
سجل الزوار
القائمة البريدية
راسلنا
خريطة الموقع
جديد الملفات
المتواجدون الآن
تغذيات RSS
07-09-1446 04:49
إن القصة معين جاذب، وأسلوب محبب للنفس، تسعد بها العقول النيرة ، ويحبها القلب الشغوف بالقراءة ، ويفرح بها القارئ النهم، وإن القصص التي تروى بعضها من الخيال ومن ثنايا براعة التصوير الإبداعي القصصي، فكيف إذا كانت القصة مع روعة عرضها، وجمال لفظها، قصة واقعية، منقولة من مصادرها الصحيحة؟ حينها تكون أقوى أثراً، وأصدق خبرا، وهذا هوما تتميز به قصص القرآن، وفي هذه القصة التي أنتقل بكم اليها ،حيث نعرض تفاصيل قصة مذهلة طالما مرت بنا في كتاب الله ، وهي تروي شيئا من دلائل العظمة الألهية، فهذه قرية كانت هادئة آمنة مطمئنة، وتتوهج بالحركة، وبيوتها عامرة، وبها حدائق غناء، وبساتين خضراء، وأنهار جارية، ينام سكانها في أحضان النعيم، فإذا بملك يأتي إليها فيخربها وهو بختنصر ويقتل أهلها فأصبحت قاعا خرابا لا ترى لها اثر ، فمر بهذه القرية رجل يدعى عزير ، وهي بيت المقدس على المشهور ، فوقف متفكرا فيما آل أمرها إليه بعد العمارة العظيمة ، و لما رأى من شدة خرابها ، وبعدها عن المنظر الذي كانت عليه ، فوقف وِقْفَةَ متأمل متألم وحزين مستبعِدا أن تدب الحياة مرة أخرى إلى تلك القرية ، فقال: (أنى يحيي هذه الله بعد موتها) فهذا سؤال استفهامي فيه استغراب قال الله تعالى: (فأماته الله مائة عام ثم بعثه) ، فقد كان التدخل الالهي مباشرة، ليجعل من هذا الرجل فيه وبه عبرة كبرى، ومعجزة عظمى، أرادها ملك الملوك، جلت قدرته وجل شأنه، فلنقرأ كلام الله عن هذه القصة يقول تعالىأَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة -259-
أماته الله هكذا مباشرة
والمشهور أن القرية كما ذكرت مسبقا هي بيت المقدس، واما عزير " فهو رجل صالح من بني إسرائيل، لم يثبت أنه نبي، وإن كان المشهور أنه من أنبياء بني إسرائيل، كما قال ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" .(389/3) ، وقد روى أبو داود (4674) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ لَعِينٌ هُوَ أَمْ لَا ؟ وَمَا أَدْرِي أَعُزَيْرٌ نَبِيٌّ هُوَ أَمْ لَا؟ ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود ". وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :" وهذا قاله صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلم عن حاله- يعني : تبّع - وقد جاء ما يدل على أنه قد أسلم فلا يكون لعيناً، وأما عزير: فلم يأت شيء يدل على أنه نبي " . انتهى من " شرح سنن أبي داود" (26 /468) بترقيم الشاملة، ولا حرج أن يقال عنه : " عليه السلام " ، حيث انه كان رجلا صالحا ، وذُكرت قصته في كتاب الله ، وقد عده كثير من أهل العلم من أنبياء الله عليهم السلام . . فلما رأى عزير شدة خرابها، وكبير تدميرها، واستحالة عودتها إلى الحياة كما كانت، (قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ) نعم أماته الله هكذا مباشرة، فهو مالك الملك الذي إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، ولم يكن هذا الموت إغماءه يسيرة، بل موت لمدة مائة عام! ثم أنه بعد وفاته كانت القرية قد عُمرت، والمدينة قد اكتملت، وبنيت قصورها، وشيدت مبانيها، وعاد إليها السكان، وكأنها لم تعرف الدمار، وبعد انتهاء المدة المحددة لموته ، بعثه الله تعالى، قال -عز وجل-: (كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)، قال هذا لأنه لم يجد في جسمه تغيراً، ولا في شكله غرابة، فهو نفسه كما نام، وقد مات أول النهار ثم بعثه الله آخر النهار، فلما رأى الشمس باقية موشكة على الغروب ظن أنها شمس اليوم الذي مات فيه، فقال له الله تعالى بواسطة الملَك: (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ)، لقد لبثت مائة عام.
تساؤلات
عندما بدأت تساؤلات عزير عليه السلام بعد أن أحياه الله، كانت هنالك مفاجأة عظيمة ، وحُجة جلية له ، أُعِدَّتْ له ليتأكد من صحة الخبر، وليعلم صدق النبأ: فحماره الذي كان معه! قيل له انظر إليه فإذا هو قد تفرقت عظامه، وتبددت أجزاؤه، وتناثرت حوله يميناً ويساراً، قال تعالى: (وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ)، انظر كيف كان، ثم انظر ماذا سيحدث له الآن، تأمل، وشاهد،(وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً)،وعظة للمعتبرين، ودليلا على المعاد، وبرهانا على البعث قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) وذلك: أنه كان معه فيما ذُكر عنب وتين وعصير ، فوجده كما فقده ، لم يتغير منه شيء، لا العصير استحال ، ولا التين حمض ولا أنتن ، ولا العنب تعفن ثم قال له سبحانه وتعالى وانظر إلى حمارك) أي: كيف يحييه الله عز وجل وأنت تنظر (ولنجعلك آية للناس) أي: دليلا على المعاد (وانظر إلى العظام كيف ننشزها) أي: نرفعها ، فنركب بعضها على بعض ، وركب كل عظم في موضعه حتى صار حمارا قائما من عظام لا لحم عليها، ثم كساها الله لحما وعصبا وعروقا وجلدا، وذلك كله بمرأى من عزير، فعند ذلك لما تبين له هذا كله بعد أن ركبت العظام، إذا ببقية المشهد يكتمل، والرجل يتابع المنظر وفؤاده يخفق، وقلبه يرجف، فإذا باللحم بدأ يكسو العظام، والعصب ينمو، والعروق تخلق، والجلد ينتشر يكسو ذلك الجسم ويغلفه، وإذا بالروح تُنفخ في الحمار، فينهق ويستعيد حياته وكأن شيئا لم يكن!. (قال عند ذلك (أعلم أن الله على كل شيء قدير) أي: أنا عالم بهذا، وقد رأيته عيانا، فأنا أعلم أهل زماني بذلك.
انظر: "تفسير ابن كثير" (687-689/1) والله تعالى أعلم.
البينة الجليلة
كل ذلك الموقف العظيم، والحوار القرآني الرهيب، بعد التعرف على هذه البينة الجليلة ومعجزة الله القوية إلا التي جاءت لتبين إذعانه إذعان المؤمن بيقين تام بقدرة الله جل شأنه، واعتراف الرجل الموحِّد بإيمانه بالله، المعتز بخالقه قائلاً: (أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)! أعلم هذا يقينا، وأتمثله دينا جازما بأن الله -جل جلاله- على كل شيء قدير، ولسان حاله يقول : فليس فيما رأيت غرابة فهومن الله العلي القدير وهو على كل شيء قدير، نعم ليس ذلك أمراً مستحيلاً, ولا صعبا على الله ولا شيئاً مستبعداً عليه جل وعلا وهو القائل (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا)(66-67-مريم)، فهو مَن أوجده من عدم، ومن خلق المخلوقات جميعاً،ومن بث الحياة والروح في كل كائن حي ؛ فهو الحي القيوم الذي لا يموت ، لنعظمه حق تعظيمه، اللهم وفقنا لتعظيمك وطاعتك واجتناب نواهيك والإيمان بمعجزاتك أمين يارب العالمين .
خدمات المحتوى
|
تقييم
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.